إن تعليم مهارات التواصل والمشاركة بين الآباء والأبناء بصورة متقدمة قد يتطلب ساعات، ما يلي هو محاولة لتقديم بعض الأفكار البناءة والنافعة لمساعدتنا في التواصل مع المحيطين بنا، خاصة عائلاتنا.
التواصل والمشاركة بين الآباء والأبناء
ستة مفاتيح لبدء التواصل
خلق الفرص
حين تود التحدث مع أطفالك أو أبنائك المراهقين بشأن موضوع هام، قد تجد أن خلق الجو المناسب قد يتطلب بعض الجهد. من المألوف أن نسمع: “إن الحياة مليئة بالمشاغل، فمن الصعب إيجاد بعض الوقت”، لكن يحتاج الآباء والأمهات أن يكونوا متنبهين لانتهاز أي فرصة سانحة، والتحدث مع أبنائهم مع عالمهم.
لا يمكننا أن نجبر الأطفال على التحدث إلينا، وإذا حاولنا أن نفعل ذلك فسوف تكون الإجابة إما “نعم” أو “لا” أو “لا أعرف”؛ لذلك ابحث عن طريق تتيح لهم من خلالها فرصة للحديث معك مباشرة ووجهاً لوجه، دون أن تحتاج لبذل جهد إضافي للحصول على انتباهه.

فكر في الآتي:
- أثناء قيادة السيارة: حيث تجلسون جنباً إلى جنب (وليس من أعلى إلى أسفل)، وهذا يقلل من المواجهة، يمكن أن يكون طريقة فعالة في فتح حوار. إن التواجد في السيارة معاً يمكن أن يوفر فرصاً رائعة للحديث الفردي.
- عند النوم: هذا وقت رائع للاستماع والمشاركة. اقض مع كل طفل بعض الوقت للحديث عن يومه، وما ينوي القيام به غداً، ومع ذلك فهذا الوقت لا يصلح للمناقشات الثقيلة أو التأديب.
- ليس أمام الأصدقاء: إذا تسببت في إحساس الصغار بالخزي والارتباك أمام أصدقائهم فهذا ينتج صراعاً ومرارة وفقدنا للتواصل. (فردود أفعال الصغار تشبه ما نفعله نحن الكبار إذا وُجهت لنا إهانة أو شوهت سمعتنا أمام أصدقائنا).
- مائدة الطعام: حينما نتحدث عن زيادة حجم التواصل الأسري، فهناك مكان ووقت يفوق أي مكان أو وقت آخر. ما هو؟ “إنه مائدة الطعام”.
توضح الدراسات أن المشاركة بانتظام في تناول بعض الوجبات حول مائدة الطعام معاً يقوي بشكل كبير التواصل الأسري وينميه؛ وبالتالي يُعد عامل حماية هام لأبنائنا عندما يتعلق الأمر بالمخدرات.
التواصل الفعال
دعونا نلقي نظرة متمعنة لماذا يُعد تناول الطعام بانتظام سوياً حول المائدة على هذا القدر من الأهمية:
سبب 1: التواصل والسلامة النفسية
إن المحادثات أثناء الوجبات توفر فرصاً لأفراد الأسرة كي يتضامنوا ويخططوا ويترابطوا ويتعلموا من بعضهم البعض. إنها فرصة للتشارك بالمعلومات وأخبار اليوم، كما أنها تمنح المزيد من الاهتمام لأطفالك وأبنائك المراهقين. إن الوجبات العائلية تُنمي الدفء والأمان والمحبة، بالإضافة إلى مشاعر الانتماء. إنها بمثابة خبرة توحد الجميع معاً.
سبب 2: الوقاية من السلوكيات المدمرة
أظهرت الأبحاث أن تناول الأسرة للوجبة الرئيسية معاً بشكل منتظم (خمس أو ست مرات في الأسبوع) له علاقة مباشرة بانخفاض معدلات التدخين وتناول الكحوليات وتعاطي المخدرات بين الأطفال في سنوات ما قبل المراهقة وسنوات المراهقة وذلك بالمقارنة بالعائلات التي تتناول الطعام معاً مرتين أو أقل بالأسبوع. حتى عندما يبدأ الأبناء الأكبر سناً في الانشغال، يظل من المهم بذل بعض المجهود لتناول وجبات الطعام معاً. من الضروري للغاية الترتيب لهذا الأمر.
سبب 3: أداء مدرسي أفضل
يتحسن أداء الأطفال في المدرسة حين يتناولون المزيد من الوجبات مع والديهم وعائلتهم. والمراهقون الذين يتناولون الوجبة الرئيسية أربع مرات أو أكثر في الأسبوع مع عائلاتهم يكون أداؤهم الدراسي أفضل مقارنة بالمراهقين الذين يتناولون الطعام مع عائلاتهم مرتين أو أقل أسبوعياً.
من الواضح أن تناول الوجبات الغذائية معاً كأسرة بانتظام الوضع المثالي. ومع ذلك فربما يكون أمراً غير واقعي لكثير من الأسر لأسباب متعددة ومختلفة.
ما هي البدائل التي يمكنك التفكير فيها لو كان من الصعب أن تلتقوا معاً حول مائدة الطعام؟

أنصت وكن متواجداً
إن الرغبة الأصيلة في تحقيق الأفضل لطفلك هي اتجاه لا يمكنك التظاهر به؛ فحين ينبع الأمر من قلبك ستجد أن الدفء والانفتاح يضعان الأساس للانتقال إلى الخطوة الثانية.
إن الإنصات باهتمام لأحدهم يبدو كفكرة يسهل استيعابها وتطبيقها، لكن كم من المرات سمعت أحدهم يقول: “أنت لا تنصت لي!”؟.
عندما يتواصل الناس معاً فإنهم يريدون أكثر من مجرد التواجد الجسدي لشخص آخر، إنما يريدون أن يتواجد الآخرون عاطفياً واجتماعياً ونفسياً. يريدون أن يكون الشخص الآخر “بالكامل” معهم من أجلهم.
قد يبدو الأمر معروفاً وبسيطاً، لكن عندما يريد أبناؤك منك أن تنصت هم يريدونك أن تكون أيضاً معهم “متواجداً” بالكامل.. هذا يعني أنك في هذا الوقت تعطي لهم ولاحتياجاتهم انتباهك الكامل ودون أي تشتيت بدون ذلك لن يشعروا أن أحداً ينصت لهم أو يفهمهم.
سمع أحدهم مراهقاً يقول “أصدقائي ينصتون إلى حقاً، لكن والديَّ يسمعانني أتحدث فحسب!” كما قصت إحدى الأمهات كيف أن طفلها البالغ من العمر أربعة أعوام احتضن وجهها بين يديه، وأماله تجاهه قائلاً: “ماما، أريدك أن تنصتي لي بوجهك!”.
في التواصل، عادة ما يطلق على الإنصات الجيد “الإنصات الفعَّال”. والكلمات الآتية تعبِّر عن متطلبات أو وسائل الإنصات الفعال.
التواصل والتواجد
المواجهة: واجه الشخص الذي تخاطبه بالكامل؛ فوضع الجسم الذي يظهر وكأنك “تنظر بعيداً” يوحي بأنك لا تريد التواجد مع الشخص.
الوضع المنفتح: عندما تجلس أنت وتضع ساقاً فوق الأخرى، ومكتوف اليدين، وجسدك متجه جانباً يعبر عن أنك غير مستعد للإنصات.
الميل للأمام: هذا لا يعني أن تزاحم الجالس أمامك، إنما يعني ببساطة أن تظهر بطريقة جلوسك أنك “متواجد معه أو معها”.
التشجيع اللفظي: تلك الأصوات والكلمات البسيطة التي تعبر عن متابعتك للحديث تمثل أساساً للتواصل الجيد، وهي تتضمن عبارات مثل:
“حقاً؟”، “ثم؟”، “استمر”، “فعلاً؟”، “إني أسمعك”. حتى الهمهمة بين الحين والآخر تكون ذات فائدة. فهذه الهمهمات والأنَّات هي بمثابة “إشارات الاستقبال” للتواصل الجيد.
التواصل البصري: إنه يعبِّر عن الاهتمام والرغبة في الانصات. يجد البعض صعوبة في تحقيق التواصل البصري مثلما لا يعلمون ماذا يفعلون بأيديهم. لكن جمعينا يدرك ذلك الاحساس حين نحاول التواصل مع شخص عيناه تتجولان في أرجاء المكان دون أن تستقر عليك.
الاسترخاء: أخيراً، حاول أن تكون مسترخياً وغير متوتر، فهذا يشجع على التواصل.
إعادة الصياغة
الآن دعونا نلقي نظرة على مهارة التواصل تدعى (إعادة الصياغة).
إعادة الصياغة هي تلخيص دقيق لما قاله المتكلم لك، أي أنك تردد ما قاله بكلماتك الخاصة.
حين تسرد بإيجاز تعليقات أو معلومات أحدهم، فهذا يظهر أنك تنصت باهتمام لما يقوله. وهذا يعلن بوضوح أنك ترى أنما يقوله مهم، وليس بالضرورة أنك تتفق معه.
في بعض الأحيان قد يجد شخصان صعوبة في التحدث مع بعضهما البعض لأن كل منهما يرجو ويحاول فرض وجهة نظره، عندئذ يمكنك استخدام استراتيجية يتوجب من خلالها على كل منهما أن يلخص (أو يعيد صياغة) وجهة نظر الآخر قبل الرد عليه. هذا يعمل على جعل الحوار شيقاً.
إعادة الصياغة الجيدة:
- دقيقة.
- تعكس النقاط الأساسية فيما أخبرك به الشخص.
- تركز على محتوى ما قيل (الآن ليس الوقت المناسب لتدلي بآرائك).
- تصاغ بتعبيرات المستمع وكلماته الخاصة (أنت لا توصل ما فهمته للمتكلم، بترديده على طريقة الببغاء، كلمة بكلمة).
- لا تصدر حكماً أو تعطي رأياً حول ما قيل.
عبارات الضمير المتكلم “أنا”
إن التواصل والمشاركة بين الآباء والأبناء الصحي هو أمر حيوي لكل العلاقات، لكنه مهم بالأخص بين الوالدين والأبناء. ترى هل يصغي طفلك لك؟ هل تفهمك ابنتك؟ هل يصل إليهم ما تود قوله حقاً؟ إن إظهار أسلوب التواصل الجيد لطفلك هو جزء أساسي من تربية الأبناء، لكنه يصبح أمراً صعباً في أوقات الصراع.
استخدام ضمير المخاطب “أنت” كأن تقول “أنت أخطأت في هذا” أو “أنت فعلت هذا الأمر السيء”، عادة يجعل الناس يشعرون بالغضب والعدوانية.
عندما نستخدم عبارات تبدأ بــ (أنت)، فإنها عادة ما تفهم على أنها اتهامات. وعندما نسمعها تبدو وكأنها هجوم علينا، وتولد فينا تلقائياً ردود أفعال دفاعية. هذا لا يحقق تواصلاً جيداً على الإطلاق.
سننتقل الآن إلى ما نطلق عليه عبارات ضمير المتكلم “أنا”، وهذه هي إحدى طرق التواصل مع طفلك باستخدام لغة تعبر عن المشاعر.. إنها طريقة للتعبير بما تشعر به تجاه موقف ما دون أن تلقي باللوم عليه، أو تثير رداً دفاعياً، أو جدلياً من قبل ابنك/ ابنتك.
يمكن لاستخدام عبارات ضمير المتكلم “أنا” أن تساعدك على توصيل مشاعرك لابنك/ ابنتك بطريقة تجعله أكثر ميلاً للاستجابة باحترام. كذلك فإن العبارات التي تبدأ أو تحتوي على كلمات مثل “أشعر” تقدم لأطفالك رسائل واضحة ومباشرة، وتساعدهم على فهم أن أفعالهم لها تأثيرها على الآخرين.
المشاركة الوجدانية- التجاوب المصحوب بالمشاعر

إن الشخص الذي يشارك الآخرين مشاعرهم يمكنه التواصل بطريقة تجعل الآخر يشعر أنه مفهوم ومقبول، وهذا لا يعني بالضرورة أنه يتفق مع سلوك الآخر. إن الأشخاص الذين يدركون مشاعر الآخرين ويشاركونهم وجدانياً يرى فيهم الناس أنهم يتمتعون بفهم حقيقي للشخص الآخر. والأشخاص الذين يسعون لتوصيل المشاركة الوجدانية يستخدمون كل مهارات التواصل التي تناولنها سابقاً:
الإنصات الفعال، إعادة الصياغة، عبارات ضمير المتكلم “أنا”.
الأطفال، مثل الكبار، يحتاجون أن يشعروا أن الآخرين يفهمونهم. ستُفهم المشاركة الوجدانية على أنك صاحب مشاعر حانية، وستظهر أنك تود الوصول إلى حلول إيجابية، وليس تحمل العواقب. إن التفاهم المتبادل هو “السكر” الذي يغطي دواء السعال ليحد من مرارته.
الوعي بما يحدث في عالم ابنك/ابنتك
إن أصدقاء ابنك/ ابنتك وزملائهم في المدرسة هم جزء رئيسي من عالمهم.
- كم اسماً يمكنك أن تذكره؟
- ما اسم آخر صديق أحضره ابنك إلى منزلكم؟
- كيف تساعد معرفة هذه المعلومات على زيادة التواصل بينك وبين ابنك/ ابنتك؟ نحن لا نقصد بذلك أن نتعدى على خصوصيات ابنك/ ابنتك، إنما الهدف هو أن نكون واعين بما يجري في عالمهم إذا أردنا أن نبقي على التواصل والمشاركة بين الآباء والأبناء، حتى نكون ذوي تأثير وفاعلية في حياتهم.
ويمكنك معرفة المزيد عن طريق صفحتنا على فيسبوك.
واقرأ أيضًا عن: كيف نبني أساسات قوية لدى الأبناء.